الثلاثاء، 26 مايو 2015

فاطمة عبدالله الإعلامية الأولى للمقاومة وسفيرة الثقافة وسيرة الشهداء

|كتب قاسم متيرك|
ليست بلدة الخيام وحدها حزينة، فخبر زهراء لا يزال يسكن الأثير منذ الصباح الأول لإذاعة النور. زهراء، صارت هي الخبر بعدما أمضت عمرها تصنع الأخبار. 
من ينسى صوت المقاومة حين كان يصل إلى أعلى تلال جبل صافي. زهراء أول مذيعة، أول صوت وهكذا ظلت حتى النفس الأخير. 
كان زهراء هو اسمها من وراء الميكرفون، لاحقا اكتشفنا أن زهراء هي فاطمة عبدالله، هي نفسها التي اعتقلتها إسرائيل وسجنتها في معتقل الخيام وعذبتها ونفتها من بلدتها الخيام. 
فاطمة عبدالله الإعلامية الأولى، عميدة الإعلاميات المؤمنات اللوتي عملن ويعملن في الإعلام الإسلامي ابنة بلدة الخيام انتقلت إلى جوار ربها تاركة  أرشيفا غنياً هو ثمرة عمرها الممتد من المنفى إلى عالم الصحافة وميادين الثقافة. 
اختارت فاطمة عبدالله الضاحية الجنوبيّة لبيروت بعدما ضاقت بلدة الخيام عليها، سكنت مع أهلها في منطقة المعمورة بين حي السلم وبئر العبد، وهناك كتبت حكايتها في معتقل الخيام، ونشرتها على حلقات في مجلة الوحدة الاسلامية عام ١٩٨٤، ومنذ ذلك التاريخ صار لفاطمة عبدالله اسما على ورق المجلات والجرائد، وأعطت الثقافة على مدى عمرها مقالات وأبحاث كثيرة حتى استحقت تسمية المثقّفة. 
تدرجت فاطمة عبدالله في الإعلام من الحرف الى الكلمة والصوت والصورة، عملت في إذاعة النور منذ تأسيسها، وكتب في مجلة الوحدة الاسلامية والعهد والبلاد، وقدمت برنامجها الثقافي على قناة المنار ولاحقا على قناة العالم، ولم يُتوقّف نشاطها الإعلامي والثقافي إلا حين أتعبها الصراع مع المرض وأجبرها على الانتقال من العطاء إلى التأمل. ولطالما كانت فاطمة عبدالله تتقن فن التأمل والتفكر والتعبد، وقد تضمنت كلماتها الكثير من لغة الروح والوجدان. 
من لا يعرف فاطمة عبدالله يمكنه أن يعود إلى أرشيف مركز دراسات الوحدة الإسلامية الكائن في مبنى تجمع العلماء المسلمين في حارة حريك، وهناك سيجد قصص الشهداء الأوائل، شهداء الثمانينيّات مكتوبة بقلم زهراء أو فاطمة عبدالله لا فرق. سيقرأ من فاتهم بعضاً من تاريخ المقاومة كتبته فاطمة على شكل تحقيقات عن ثغور ومحاور وكمائن، ومقابلات مع مقاومين في مواقع المقاومة حين كانت المرابطات في عراء الجبال والوديان وبين بيوت ميدون ومشغرة، وفي معسكرات التدريب في جنتا وجرود بعلبك والهرمل. كانت زهراء ناطقة باسم المقاومين، تكتب عنهم قبل ان يستشهدوا وبعد الاستشهاد، وكانت فاطمة عبدالله على يقين بأن النصر موعدهم ووعدهم. كانت واثقة بأن المقاومة ستنتصر منذ ذلك اليوم الذي كانت فيه المقاومة بضعة بنادق، ورجال يقاتلون تحت الشمس بلا خنادق أو خوذات، فقط بلباسهم المدني. 
برحيل فاطمة عبدالله إلى دار البقاء، خسرت المقاومة في لبنان وفلسطين قلما وصوتا ومثقفاً وذاكرة، وخسر الإعلام اللبناني والعربي والإسلامي إحدى أبرز كوادره الإعلامية والثقافية ممن ساهموا في تأسيس العمل الإعلامي والثقافي منذ مطلع الثمانينيّات من القرن الماضي. 
تستحق فاطمة عبدالله كل التقدير على الأقل من رواد الثمانينيّات، رفاق درب الكلمة والصوت والصورة، وهي كانت تستحق ذلك في حياتها قبل مماتها، ولكن يبدو أن فاطمة عبدالله مثلها مثل الكبار لا نشعر بوجودهم إلا حين يرحلون. 
                                        

هناك تعليق واحد: